-->
مرحبا بكم, نشكركم على زيارة موقعنا, نتمنى أن تكون قد حصلت على ما كنت تبحث عنه، ولا تنسى الإنضمام الى متابعي المدونة الأوفياء لتكون أول من يعرف بجديد مواضيعنا, دمتم في آمان الله .

بحث حول الرشوة PDF - Word

بحث حول الرشوة

بحث, حول ,الرشوة

الخطـة
مـقدمـة

الفصل الأول: جريمة الرشوة

تمهيـد

المبحـث الأول: البنيان القانوني لجريمة الرشوة

المطلـب الأول: الطبيعة القانونية لجريمة الرشوة
المطلـب الثاني: الحكمة من تجريم الرشوة
المطلـب الثالث: صلة جريمة الرشوة بجريمة استغلال النفوذ

المبحـث الثاني: أركان جريمة الرشوة

المطلب الأول: إجرام المرتشي
المطلب الثاني: إجرام الراشي و الرائش

الفصـل الثاني: عقوبـة جريمـة الرشـوة و صـورها الخاصة

تمهيـد

المبحـث الأول: عقوبة جريمة الرشوة

المطلب الأول: العقوبة البسيطة لجريمة الرشوة
المطلب الثاني: العقوبة المشددة لجريمة الرشوة
المطلب الثالث: الإعفاء من العقاب في جريمة الرشوة

المبحـث الثاني: الصور الخاصة لجريمة الرشوة

المطلـب الأول: جريمة الراشي باعتباره فاعلا آخر في جريمة الرشوة
المطلـب الثاني: جريمة العرض الخائب للرشوة.
الخـاتمـة

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المـقـدمـة:
إن تحقيق العدالة الكاملة في الواقع ليس أمرا سهلا كما يبدو لنا في أول وهلة أو كما يتصوره عامة الناس، وأنما تحقيقها أمرا صعبا جدا لأنه مرهون بأمور أخرى تتعلق بطبيعة الفرد و فطرته، فالإنسان كما هو معروف مفطور على حب ذاته وحب من هم أقرب الناس اله و هو مزود بدوافع غريزية تتميز بالعنف و الظلم و السيطرة وحب التسلط والتملك والظهور، وأنه مزود أيضا بالعقل الذي هو نور يهديه في هذه الحياة كما أنه ليس لع جناحان و لكنه يطير و لا يحسن السباحة و لكنه يسافر فوق و تحت البحار، ليست له مخالب و لكنه يحفر الحفر في قشرة الأرض الصلبة، ليست له أنياب، يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي لكن إذا كان يستطيع أن يقتل كل مخلوق حي فانه قادر بدون شك، أن يقتل أفراد جنسه و يضر حتى بالمصالح العليا لأمته و هذا هو الهلاك بعينه، وبالتالي يكون كل إنسان عرضة لأخطار و متاعب تصادفه في الحياة من مرض أو اعتزال منصب فلا بد من توفير جزء من المال ندخره لوقت الحاجة، ونحفظ به أنفسنا من الدين و المذلة فكثير من فضائل عمادها المال فالكرم و الأمانة والإحسان والاقتصاد والطمع و الغش والنصب والارتشاء و الإسراف كلها تتصل بحالة الإنسان المالية، بل هناك فضائل و رذائل تنتج عن مال عن طريق غير مشروع فكثير ما يضطر المدين إلى الكذب وتحمله ديونه على تلقيف الاعتذار لدائنه ليماطله، و كثيرا ما يكون الفقر سبب الإجرام و عدوا للحرية وأيضا دور انخفاض المستوى الاقتصادي و ضعف الأجور و المرتبات كانت هي السبب في انتشار عدة جرائم كالاختلاس وخيانة الأمانة و الرشوة، و مما لا شك فيه أن حسن سير الإدارة الحاكمة ونزهاتها من المهام الأساسية التي يجب أن تقوم بها الدولة و في سبيل الوصول إلى هذا الهدف تختار الدولة من بين أفرادها موظفين يتولون القيام بهذه المهمة لقاء أجر يحصلون عليه في صورة مراب أي حينما يؤدي الخدمة أو العمل المنوط إليه القيام به إنما يكون بناء على اتفاق بينه و بين الدولة و هو في أدائه لهذا الواجب إنما يلتزم الحدود التي ينظمها الاتفاق و يصفه خاصة عدم حصوله أو طلبه أي مقابل إضافي من صاحب المصلحة أو الحاجة متى لجأ إليه لقضاء حاجاته أو مصلحته و تعد محاولة الموظف استغلال وظيفته و الحصول من صاحب الحاجة على مقابل لقضاء حاجته عملا يصيب الإدارة الحاكمة في الصميم إذ يعرقل سيرها و يشكك في نزاهتها و يجعل الحصول على الخدمة أو المصلحة قاصرا على القادرين من المجتمع دون غيرهم و يترتب على كل ذلك إفساد العلاقة بين الدولة و أفرادها و الحط من هيبة موظفيها واحترامهم بالإضافة إلى أن الموظف يسلك هذا السبيل و يثرى على حساب غيره دون سبب مشروع، لهذه الأسباب جميعها قررت تشريعات الدول المختلفة عقاب الموظف العام الذي يتاجر في أعمال وظيفته و يهبط بها إلى مستوى السلع بأن يطلب أو يقبل أو يحصل من صاحب الحاجة على مقابل لأجل قضاء حاجته، و تعرف هذه الصور من الفعال المعاقب عليها كما سبق ذكرها بجريمة الرشوة، فهي تعد من بين الجرائم الاقتصادية و من أخطر الجرائم الواقعة على الوظيفة و الإدارة العامة، و المضرة بالمصلحة العامة و التي تمس أمن الدولة الخارجي و الداخلي، ما حقيقتها، ما تكييفها، ما طبيعتها، شروط قيامها، صورها، وسائل القضاء عليها أو بالأحرى التخفيف من وجودها، ز مل دور المشرع الجزائري أمام هذه الجريمة كلها اتجاهات تناولها و نحن بصدد دراستها في هذه المذكرة.

الفصل الأول: جريمة الرشوة

المبحث الأول: البنيان القانوني لجريمة الرشـوة:

تمهيـد:
يقصد بالبنيان القانوني ما يستلزمه نص التجريم لقيام الجريمة قانونا ويشمل ذلك ليس فحسب ركني الجريمة التقليديين المادي و المعنوي بل ما يتضمنه النص أحيانا من شروط أولية أو عناصر مفترضة أو خاصة يؤثر توفرها أو تخلفها على الجريمة وجودا أو عدما.
ففكرة أركان الجريمة التقليدية لا تستوعب إذن كل بنيانها القانوني و إن كانت تمثل الجزء الأكبر فيه قليلا إذ يبقى أن نص التجريم يتطلب أحيانا لقيام الجريمة شرطا أوليا أو عنصرا خاصا أو وسيلة معينة مما قد يصعب إدراجه ضمن المفاهيم والأفكار التقليدية لأركان الجريمة بل إن لبعض الجرائم طبيعة قانونية خاصة يترتب عليها نتائج عملية هامة تستفاد من نص التجريم دون أن يسعف التقسيم الإداري لأركان الجريمة بدراستها ضمن هذا الركن أو ذلك (نذكر على سبيل المثال كونها جريمة مستمرة أو جريمة فاعل متعدد أو جريمة تبعية يعاقب عليها رغم ذلك كجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية) في كافة هذه الأمثلة وغيرها تتيح فكرة البنيان القانوني للجريمة دراسة كافة ما يلزم لقيامها ركنا كان أم عنصرا أم شرطا لتطبيق النص أم طبيعة قانونية خاصة ترتب نتائج عملية فمن إجماع تلك المكونات يصبح السلوك المؤثم جريمة يستحق فاعلها الجزاء المقرر في نص التجريم وتتجسد مكونات البنيان القانوني لجريمة الرشوة فيما يلي:
‌أ. الطبيعة القانونية للجريمة
‌ب. الحكمة من تجريم الرشوة
‌ج. صلة جريمة الرشوة بجريمة استغلال النفوذ.[1]

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للجريمـة:

الفرع الأول: تعريف الرشـوة:

الرشوة جريمة تختص في الاتجار بأعمال الوظيفة العامة وهي تستلزم وجود شخصين: موظف عام أو قاضي أو عامل أو مستخدم يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته سواء كان مشروعا أو غير مشروع وإن كان خارجا عن اختصاصاته الشخصية إلا أن من شأن وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له ويسمى هذا الموظف مرتشيا وصاحب المصلحة يسمى راشيا وبذلك تكون العبرة في جريمة الرشوة بسلوك الموظف لا بسلوك الطرف الآخر فتقع الرشوة متى قبل الموظف ما عرض عليه قبولا صحيحا وجادا قاصدا العبث بأعمال وظيفته ولو كان الطرف الآخر غير جاد في عرضه، و لا تقع الرشوة إذا لم يكن الموظف أو القاضي جادا في قبوله كما لو تظاهر بالقبول ليسهل القبض على من يحاول ارتشاءه متلبسا بجريمة الرشوة.[2]
‌أ. استوحى المشرع تجريمه لكافة صور الرشوة من فكرة الاتجار بالوظيفة أو الخدمة أي الانحراف بها عن الطريق السوي الذي تنظمه القوانين واللوائح وجعلها مصدرا للكسب الغير مشروع فالاتجار بالوظيفة العامة إذن هو جوهر جريمة الرشوة كما يعتبر أو يمكن اعتباره مظهرا لركنها المعنوي.‌ب. إن جريمة الرشوة تقع بحسب الأصل من (وظف عام ويتعدى فيها على أعمال وظيفته التي يجب أن تؤدى بالتطلع فقط لمقتضيات الصالح العام ويتعدى فيها على السير الطبيعي للإدارة العامة تلك هي الصورة الأساسية لتجريم الرشوة أو هي الرشوة بمعناها الدقيق وهي على هذا النحو جريمة فاعل متعدد إذ تقتضي وجود طرفين أساسيين:
· · المرتشي: وهو الموظف العام الذي يتقاضى أو يطلب منفعة خاصة له أو لغيره.
· · الراشي: هو صاحب المصلحة الذي يقدم المنفعة أو يعد بها أو يقبل طلب الموظف بذلك نظير أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه أو الإخلال بأحد واجباتها ويلاحظ مع ذلك أن هناك صورا خاصة للرشوة لا يكون الفاعل موظفا عاما بل فردا من عامة الناس.
إذ يجرم المشرع عرض الرشوة من جانب صاحب المصلحة ولو لم يصادف العرض قبولا من الموظف ويعاقب المشرع على جريمة عرض الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة.[3]
‌ج. الركن المادي في جريمة الرشوة ذو طبيعة خاصة فلأنها جريمة فاعل متعدد لزم البحث عن مظاهر هذا الركن في سلوك كل من الفاعلين لذلك حق تصوير العلاقة بينهما على أنها اتفاق غير مشروع يتجر بواسطته المرتشي في عمله الوظيفي فمن ناحية المرتشي لم يشأ المشرع أن يحصر سلوكه في تعريف محدد إذ يتمثل في قيام الموظف أو من في حكمه بأداء عمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته وقد يؤخذ بصفة عامة ضرورة الإخلال بواجبات هذه الوظيفة لذلك تقنع محكمة النقض بقيام جريمة الرشوة قانونا– بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي ولا يتبقى بعد ذلك إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسليم المبلغ والمشرع الجزائري لم يرد أي تعريف للرشوة و إنما اكتفى بتحديد عناصر هذه الجريمة والآثار المترتبة عنها وذلك في المواد 26 إلى 130 من قانون العقوبات الجزائري فقد حشر المشرع الجزائري جريمتي الرشوة واستغلال النفوذ تحت عنوان واحد الرشوة واستغلال النفوذ وذلك لما لهاتي الجريمتين من أوصاف مشتركة فهي وإن كانت وحدتهما في الركتيت المادي والمعنوي إلا أنهما يختلفان في صفة الجاني من جهة و في نوع العمل المطلوب أداؤه من جهة أخرى وفي هذا البحث نركز على الرشوة باعتبارها جريمة مستقلة عن جريمة استغلال النفوذ الذي اعتبرها المشرع في حكم جريمة الرشوة ومنه إن كان للفقه دور في تعريف الرشوة فكيف كان دور التشريع في تكييفها على أنها جريمة واحدة خاصة بالموظف وحده أم هي جريمتين مستقلتين بمعنى جريمة الموظف لوحدها وجريمة صاحب الحاجة لوحدها.[4]

التكييف القانوني للرشـوة:

لم تتفق التشريعات كما لم تتخذ كلمة الفقه على تكييف واحد لجريمة الرشوة بل انقسما إلى مذهبين متنافرين الأول يخضع الرشوة في تجريمها لنظام وحدة الرشوة والثاني يخضعها لنظام ثنائية الرشوة و كلا المذهبين له مبرراته فضلا عن اعتناق أحدهما يرتب نتائج قانونية مغايرة عن الأخر.
‌أ. نظام وحدة الرشوة: وفقا لهذا المذهب الذي تأخذ به بعض التشريعات الجنائية تعتبر الرشوة جريمة واحدة فاعلها الأصلي هو الموظف المرتشي أما صاحب الحاجة (الراشي) فليس إلا شريكا في هذه الجريمة الأصلية، و تقوم هذه النظرية على أن جوهر الرشوة إنما يتمثل في الاتجار بأعمال الوظيفة والمساس بنزاهتها وهو ما لا يتصور وقوعه إلا من جانب الموظف الذي وضعت فيه السلطة العامة ثقتها. فالمرتشي إذن هو المعول عليه في مشروع الرشوة فهو أكثر إجراما من الراشي لأنه يخل بواجبات الأمانة التي تلقيها الوظيفة على عاتقه وهي واجبات لا تقيد الراشي في شيء ومؤدى مذهب وحده جريمة الرشوة إذن هو اعتبار الموظف الفاعل الوحيد لها أما غير الموظف سواء كان راشيا أو وسيطا بين الراشي و المرتشي أي الرائش إذ يعتبر شريكا إذا توافرت بالنسبة لع جميع شروط الاشتراك و في ظل عدا المذهب ينعدم التمييز و التفرقة بين كل من الرشوة السلبية بحيث لا توجد عندئذ سوى رشوة واحدة هي التي يرتكبها الموظف العام. ([5])
ويأخذ بهذا النظام القانون الدانمركي والبولوني والايطالي وكذلك القانون المصري واللبناني في مادته 355 من قانون العقوبات اللبناني وبالرغم من كون نظام وحدة الرشوة يتفق والمنطق القانوني في الميدان العملي تواجهه صعوبتان تتجسد فيما يلي:
‌أ) الصعوبة الأولى: حين يطلب الموظف العام المقابل فلا يستجاب له من قبل صاحب الحاجة أو ما يسمى بحالة الطلب الهائب للرشوة من جانب الموظف العام بمعنى الطلب الذي لا يصادف قبولا من جانب صاحب الحاجة وعليه فعقاب هذا الموظف يقف عند حد الشروع.‌ب) الصعوبة الثانية: تكمن في حالة عرض الراشي المقابل فيلخصه المرتشي وهنا لا يعاقب صاحب الحاجة لأن العبرة بالموظف فهو الفاعل الأصلي وهنا لم تقع الجريمة لأنه رخصها وهاتان الحالتان لا يعرفهما نظام الرشوة نظرا لاستقلال جريمة المرتشي عن جريمة الراشي.واحتياطا للمجال العملي قامت بعض التشريعات بتخطي هاتين الحالتين بالنص على أنه بمجرد طلب الرشوة يعد جريمة تامة رغم عدم استجابة صاحب الحاجة الذي يقدم على عرض رشوته ويرخصها الموظف العام وهو ما يتبع حاليا في التشريع المصري و اللبناني.
إلا أن الأخذ بنظرية وحدة الرشوة يرتب نتائج قانونية هامة تؤدي و لا شك إلا إمكانية إفلات الراشي والمرتشي أحيانا من العقاب و يمكن حصرها فيما يلي:
1. بصفة عامة: يتوقف تقرير المسؤولية الجنائية للراشي وإمكانية عقابه على مصير الدعوة الجنائية المرفوعة في مواجهة المرتشي وبالتالي انقضاء تلك الدعوة بالتقادم أو العفو أو الوفاة يحول ذلك دون مساءلة الراشي. كما أن انتفاء قيام جريمة المرتشي قانونا لانعدام قصده الجنائي أو لأي سبب آخر يمتنع معاقبة الراشي، وتلك أمثلة لأعمال نتائج نظرية استعارة الجريمة التي تقتضيها قواعد الاشتراك الجنائي.
فاعتبار الراشي مجرد شريك للموظف المرتشي (الفاعل الأصلي للجريمة) يخضع للقاعدة المعروفة في مجال المساهمة الجنائية و هي الشريك يستعير إجرامه من الفاعل الأصلي.
يترتب على ذلك أن صاحب الحاجة الذي يعرض الرشوة فيرفضها هذا الأخير لا يخضع للمساءلة الجنائية حيث يقتصر في هذا الغرض على مجرد الشروع في الاشتراك غير معاقب عليه في القانون الجنائي.
2. و يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى وقوف مساءلة الموظف الذي يطلب رشوة فيرفض صاحب الحاجة طلبه عند حد الشروع فلا يكون مرتكبا لجريمة تامة.
3. ويبدو من المشكوك فيه أخيرا إمكانية معاقبة شركاء صاحب الحاجة (الراشي) في ظل مذهب وحدة الرشوة وفقا للقواعد العامة في المساهمة الجنائية فان الاشتراك في الاشتراك غير معاقب عليه.وهكذا يؤدي مذهب وحدة الرشوة إلى خروج فرضين يغلب وقوعهما في العمل من دائرة العقاب إذ تعرض الرشوة من صاحب الحاجة حين يرفضه الموظف وطلب الرشوة من الموظف حين لا يستجيب إليه صاحب الحاجة فلا يعد جريمة تامة، يضاف إلى ذلك ما وجه من انتقاد للأساس النظري لهذا المذهب فمن الصعوبة في مجال نظرية الاشتراك اعتبار الراشي مجرد شريك في جريمة الرشوة ذلك أن الشريك ما هو في الحقيقة إلا مساعد في الجريمة، يسهلها ولا ينشئها بمعنى أنه لا يساهم في ارتكابها بطريقة أصلية ومباشرة وفي الرشوة على العكس من ذلك يقوم المرتشي والراشي سويا بدورين رئيسيين في تنفيذها فكلاهما يقومان على قدم المساواة مع الآخر في إتيان الأفعال المكونة للرشوة التي لا تتم بدون تدخل من جانب الراشي وما دام الأمر كذلك فلا يمكن تصور وجود جريمة رشوة بدون تدخل الراشي. وتحت وطأة هذه الانتقادات ومن أجل تفادي النتائج السابقة التي تؤدي إليها مبدأ الوحدة يستمد مذهب ثنائية الرشوة مبرر وجوده.
‌ب. نظام ثنائية الرشوة: المذهب الثاني في تكييفه للرشوة ينظر إليها باعتبارها جريمتين مستقلتين:
رشوة سلبية ورشوة ايجابية.
· · الرشوة السلبية: تلك التي تقع من جانب الموظف العام بطلب أو قبوله للوعد أو عن طريق الأخذ و ذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عن أداءه.
· · الرشوة الايجابية: و هي تلك التي تقع من جانب صاحب الحاجة بإعطائه المقابل للموظف العام أو عرضه عليه أو وعده به
وتستقل كل من الجريمتين عن الأخرى في المسؤولية و العقاب بمعنى أنه يمكن أن تتوافر أركان أحداهما دون أركان الأخرى، لأن الراشي لا يعد مساهما في عمل المرتشي بل فاعلا لعمل مستقل عن عمله وتسري بالتالي على كل جريمة مستقلة عن الأخرى قواعد الاشتراك والشروع، ويطلق على هذا المذهب مذهب ثنائية الرشوة لأنه ينظر إليها باعتبار أنها تشكل جريمتين مستقلتين في المسؤولية والعقاب بحيث تقع الأولى من طرف الموظف العام ويطلق عليها كلمة “الارتشاء” أو “الاسترشاء” وتقع الثانية من صاحب الحاجة ويطلق عليها “الارشاء” وعلى هذا المذهب يسير القانون الألماني والروسي والعراقي والسوداني و الفرنسي.
تظهر أهمية الأخذ بهذا المذهب أو ذاك في حالة العرض الخائب للرشوة على الموظف من جانب صاحب الحاجة، فلا جريمة في هذا العرض من جانب صاحب الحاجة على مذهب وحدة الرشوة والذي يعتبرها “جريمة الموظف العام” وبالتالي فإن عرضها من صاحب الحاجة أو وسيطه لا يشكل بدء في تنفيذ لأن البدء في التنفيذ المشكل للركن المادي في الشروع في الرشوة لا يقع إلا من الموظف باعتبارها جريمة تامة مستقلة بذاتها أي جريمة الرشوة الايجابية، هذا الخلاف حول نتائج تكييف الرشوة يزول بطبيعة الحال إذا تدخل المشرع لتجريم عرض الرشوة وهو ما فعله المشرع المصري واللبناني بالمادة 355 من قانون العقوبات
جريمة الرشوة إذن جريمة واحدة ركنها الأساسي هو الموظف العام (المرتشي) فهي في الأصل جريمته وهي جريمة فاعل متعدد يعتبر صاحب الحاجة (الراشي) عنصرا ضروريا لتحقيقها.
وقد اعتمد المشرع الجزائري نظام ثنائية الرشوة وذلك في المادتين 126 – 127 من قانون العقوبات الجزائري بالنسبة لجريمة الموظف المرتشي أي الجريمة السلبية وفي المادة 129 من قانون العقوبات الجزائري جريمة صاحب الحاجة أي الرشوة الإيجابية

المطلب الثاني: الحكمة من تجريم الرشوة:

إن المصلحة القانونية المهدورة بارتكاب جريمة الرشوة هي حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي ضمان نزاهتها، والاتجار في أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع و يجردها من سموها باعتبارها خدمات تؤديها الدولة لأفراد الشعب، والنتائج المترتبة على ذلك وخيمة العواقب بالنسبة للفرد و بالنسبة للمجتمع على حد سواء:
– الرشوة خرق لمبدأ المساواة بين الأفراد المتساوين في المركز القانوني حيث تؤدي خدمات مرافق الدولة إلى من يدفع المقابل للموظف العام وتحجب هذه الخدمات أو تعطل عن الأفراد غير القادرين أو العازفين عن أداء ذلك المقابل، وتفشي مثل تلك الظاهرة من شأنه أن يهدر ثقة المواطنين الأسوياء في نزاهة الجهاز الإداري للدولة من ناحية وأن يدخل في ذهن المواطنين غير الأسوياء الاعتقاد بقدرتهم على شراء ذمة الدولة من خلال موظفيها من ناحية أخرى وذلك من أخطر ما يصيب الأداة الحكومية في دولة من الدول
– الرشوة فوق ذلك مدخل للانحراف بالوظيفة العامة وفساد موظفيها، فهي انحراف بالوظيفة العامة من حيث أنها تجعل الأولوية في أداء الخدمات العامة للأفراد أكثرهم مالا و تأثيرا و معرفة بفنون غواية الدولة بينما الأصل أن الأولوية في أداء الخدمات العامة ينعقد للأفراد الذين تتوافر فيهم شروط الانتفاع بها.
– الرشوة مدخل لفساد موظفي الدولة لأنها تؤدي إلى إثرائهم دون سبب مشروع، بينما الأصل أنهم ملزمون بأداء الخدمات للمواطنين دونما مقابل وهكذا يستثري بين الموظفين أنفسهم صنف جديد من صنوف المنافسة القذرة الموظف المرتشي بما يحصل عليه من دخل يحتذي به من غيره من الموظفين وهنا نكمل الخطورة إذ تصبح الوظيفة العامة سلعة رائجة، وتلك مقدمات الفساد التي تصب إلى وظائف الدولة الأخرى.
يمكن اعتبار الرشوة إحدى الجرائم التعزيزية في النظام الجنائي الإسلامي و أدلة تجريمها ثابتة بنصوص القرآن والسنة.
إن الرشوة اعتداء على النزاهة التي ينبغي أن يتحلى بها الموظف العام لأن الاتجار بالوظيفة العامة يؤدي إلى التشكيك في أعمال موظفي الدولة و في نزاهتهم و لذلك أولى المشرع هذه الجريمة الصرامة.
لقد واجه المشرع الجنائي مشكلة الرشوة:
· 1. من ناحية التجريم: وسع من نطاقها فلم تعد تقتصر على الموظف العام وحده بل امتدت إلى كل الأشخاص الذين يقدمون خدمة عامة بل و حتى الأشخاص الذين يقومون بخدمة خاصة.
· 2. من ناحية العقاب: واجه المشرع هذه الجريمة بالصرامة من حيث العقاب (الحبس من سنتين إلى عشر سنوات).
· 3. استحدث المشرع جريمة الرشوة الايجابية و هي التي تقع من طرف صاحب الحاجة و ينتج عن ذلك:
· ‌أ) إمكانية قيام جريمة صاحب الحاجة دون جريمة الموظف.
· ‌ب) سهولة معرفة المركز الجنائي بالوسيط دون وجوب النص على جريمته و الوسيط هو الشخص الذي يتدخل بين الراشي و المرتشي حيث يرى الشراع أنه رسول أحد الطرفين إلى الآخر و قد تكون رشوة مشتركة بينهما فجريمته لا يمكن وجودها منفصلة ومن ثم فلا توجد له جريمة مستقلة. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ أحمد أمين “وقد يتوسط بين الراشي والمرتشي شخص ثالث وهو الرائش ولم يضع له الشارع الفرنسي حكما خاصا وهو عند الشراع الفرنسيين و المحاكم الفرنسية شريك لمن كلفه الوساطة”، وفي التشريع المصري يلاحظ أن المشرع المصري قد نص في المادة 108 على عقوبة الوسيط. وهذا ما جعل الشراع يختلفون فيما إن كان المشرع يهدف إلى خلق جريمة خاصة بالوسيط أم لا فذهب الرأي إلى القول بأنه ليس ثمة ما يبرر القول باتجاه المشرع إلى خلق جريمة خاصة للوسيط لأنه ليس له عمل مستقل في جريمة الرشوة بل تعتبر جريمته معلقة بمصير جريمة من كلفه الوساطة.
أما الرأي الثاني فقد تزعمه الدكتور علي راشد حيث فرق بين الوسيط من قبل المرتشي و الوسيط من جانب الراشي ويرى أن: أمر الوسيط من جانب المرتشي يترك لحكم القواعد العامة التي تعتبره شريكا للمرتشي بالمساعدة في الإعمال المسهلة أو المتممة لارتكاب الجريمة و يكون إجرامه معلقا على إجرام المرتشي الذي كلفه الوسيط، سواء في حالة التمام أو الانعدام “أما الوسيط من قبل الراشي فإن المشرع نظر إليه باعتباره فاعلا في جريمة خاصة به هي جريمة الوساطة في الرشوة فإجرامه مستقل عن إجرام الراشي. إذ لو كان المشرع يعد الوسيط شريكا للراشي لما كان بحاجة إلى النص عليه نصا خاصا ولترك أمره للقواعد العامة للاشتراك أما في التشريع الجزائري فان المشرع الجزائري لم يتطرق إليه في النصوص التي أفردها للرشوة و من ثم فان المركز الجنائي للوسيط في الرشوة يخضع للقواعد العامة التي تحكم الاشتراك و من ثم فان الوسيط يعتبر شريكا لمن كلفه الوساطة، ولا يفلت من العقاب سواء تحققت جريمة من كلفه أو لم تتحقق إذ أن المشرع الجزائري اعتبر إجرام الشريك مستقلا عن إجرام الفاعل الأصلي، وعلة التجريم المستقل هي الخطورة الإجرامية لدى الشريك، لأنه بأفعاله يسهل ارتكاب الجريمة و الشريك في التشريع الجزائري هو كل من ساعد بكافة الطرق أو عاون الفاعل على ارتكاب الجريمة. والملاحظ أن المشرع المصري عندما جرم بنص خاص جريمة الوسيط كان يهدف إلى تلاف إفلات الوسيط من العقاب باعتباره شريكا في حال إذا لم تحقق جريمة من كلفه الوساطة على أساس أنه يستعير الصفة الإجرامية من الفاعل الأصلي أما التشريع الجزائري فلا تثور هذه المشكلة نظرا لأسلوب التجريم الذي اعتمده المشرع الجزائري في مجال الاشتراك وهو استقلالية إجرام الشريك عن إجرام الفاعل الأصلي. و يمدنا التطور التاريخي لهذه الجريمة في فرنسا على سبيل المثال ببعض الدلالات فأركان الجريمة امتدت لتشمل طوائف و أشخاص آخرين لم يكن النص الأصلي ليتصرف إليهم و ليست آخر مظاهر ذلك التطور مشروع قانون مكافحة الرشوة و المعروض حاليا على البرلمان الفرنسي وتهدد نصوص ذلك المشروع إلى تجريم كافة صور التمويل الخاص من جانب الشركات الخاصة للأحزاب السياسية. وظاهرة الرشوة لم تتطور من ناحية الكم فقط بل من ناحية الكيف أيضا فالمشاهد في الآونة الأخيرة أن الرشوة لم تعد عملا فرديا يقتصر على الموظف المرتشي بل اتخذت الجريمة صفات التنظيم يساهم فيها عدد كبير من الموظفين الذين تترابط اختصاصاتهم في العمل ببعض مصالح الجماهير يرسمون السبيل الذي يسيرون فيه ولا يكشف عن أعمالهم وهنا وجه آخر من أوجه الخطورة الأمر الذي يقتضي مكافحة الرشوة ليس فحسب عن طريق تشديد العقوبة وملاحقة كافة من لهم صلة ولو كانت واهية بمحيط الجريمة بل يكون ذلك يربط تلك الظاهرة بشقي السلوك المؤثم و العقوبة المقررة بظروف الوسط الاقتصادي و الاجتماعي والحضاري الذي نشأت فيه الرشوة، ففي هذا الوسط تكمن الأسباب الخبيثة لتفشي تلك الظاهرة والحق أنها في ذلك كاشفة عن آفة مزدوجة و الرشوة من ناحية “تفضح” بيروقراطية التنظيم الإداري الذي نمت وترعرعت فيه وهي من ناحية أخرى “تغطي” رقعة القصور الحضري الذي لم يفلت منه الموظف والمواطن صاحب الخدمة على حد سواء وهو قصور لم يستوعب بالقدر الكاف حتى اليوم فكرة أن الدولة “ملتزمة” بأن تؤدي للفرد من خلال مرافقها العامة الخدماتية على النحو الواجب و في وقت معقول دونما مقابل غير ما يدفعه من ضرائب أو رسوم.
وإذا كانت الحكمة من تجريم الرشوة واحدة وهي حماية مقومات حسن أداء الوظيفة العامة وبالتالي نزاهة الأداة الحكومية استدعى ذلك تدخل المشرع فقد بالتجريم و العقاب في دائرة أفعال عديدة دفعها جميعا بوصف الرشوة.

المطلب الثالث: صلة جريمة الرشوة باستغلال النفوذ:

1. تعريف جريمة استغلال النفوذ:

“يعد مستغلا للنفوذ كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أخذ وعدا أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية ميزة من أي نوع يعد في حكم المرتشي يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون إن كان موظفا عموميا و بالحبس و بغرامة لا تقل عن 800 جنيه و يعتبر في حكم السلطة العامة لكل جهة خاضعة لإشرافها”([6]).ونصت المادة 128 من قانون العقوبات الجزائري: “يعد مستغلا للنفوذ و يعاقب بالحبس من سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 دج، كل شخص يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يطلب أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى و ذلك ليتحصل على أنواط أو سمة أو ميزات أو مكافآت أو مراكز أو وظائف أو خدمات أو أية مزايا أخرى تمنحها السلطة العمومية أو مع مشروعات استغلالية موضوعة تحت إشراف السلطة أو يحاول الحصول على أي من ذلك أو يستصدر بصفة عامة قرارا من مثل هذه السلطة أو تلك الإدارة أو يحاول استصداره و يستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مفترضا فإذا كان الجاني قاضيا أو موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية تضاعف العقوبات المقررة”([7])
من نص هذه المادة نلاحظ أن فاعل هذه الجريمة غير مختص بالعمل المطلوب و لا يزعم انه من اختصاصه و إنما يستعمل نفوذه الحقيقي لتحقيق الغرض المطلوب و لذلك يعاقبه القانون.

2. شروط قيام جريمة استغلال النفوذ:

وحتى نطبق نص المادة 128 من قانون العقوبات الجزائري يجب التأكد من توافر الشروط الثلاثة التالية:
· الشرط الأول: أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هدية فالجريمة تتم عند طلب الوعد أو العطية فالمشرع اعتبر العطية إذا أخذها الجاني أو اتفق عليها أو حتى لو طلبها تعتبر جريمة تامة لما لها من خطورة إجرامية.
· الشرط الثاني: أن يستغل الفاعل نفوذا حقيقيا أو مزعوما أو مفترضا مقابل تذرعه بالطلب أو الأخذ أو القبول فإذا كان النفوذ المزعوم حقيقيا فالجاني يكون قد أساء استعمال النفوذ الذي تكسبه إياه وظيفته أما إذا كان النفوذ مفترضا وغير حقيقي (مزعوم) فهنا الجاني يجمع بين الأضرار بالثقة الواجبة في الجهات و المصالح الحكومية و بين الغش.
· الشرط الثالث: و يجب أن يكون هذا القبول أو الأخذ أو الطلب بقصد الحصول على شيء مثل الأوسمة والمكافآت و المنافع و الصفقات… الخ. و من السلطة العمومية ومشاريعها ومن الإدارات العامة مما ورد ذكره في نص المادة 128 من قانون العقوبات الجزائري وهذا النص مأخوذ من القانون الفرنسي في المادة 178 “قانون عقوبات فرنسي” فهو نص عام شامل كل الصور التي تصدر عن الجهات الحكومية و الإدارات أو الجهات الخاضعة لإشراف حكومي.
و متى توفرت هذه الشروط تمت الجريمة بغض النظر عما سيحصل بعد ذلك فسواء تحقق الغرض المطلوب أو لم يتحقق و سواء حصل الفاعل على منفعة أم لا و فيما عدا تختص به استغلال النفوذ من عناصر فإنها تعتبر في حكم جريمة الرشوة من حيث بقية الأركان التي ذكرناها ([8])

3. علـة التجريـم:

إن علة التجريم فعل استغلال النفوذ هو الإساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة فالجاني يوحي إلى صاحب الحاجة إن السلطات العامة لا تتصرف وفقا للقانون و بروح من الحيادية و الموضوعية و إنما تتصرف تحت سطوة ماله من نفوذه عليها وحين يكون النفوذ حقيقيا فالجاني يسيء استغلال السلطة التي خولها له القانون فبدلا من استعمالها من أجل الهدف الذي خوله القانون إياها يستعملها وسيلة للإثراء الغير المشروع و حين يكون النفوذ مرهونا.([9])
فالاتجار بالنفوذ معاقب عليه مهما كان من يتجر به سواء كان موظفا عموميا أو غيره و لكن المشرع قد شدد العقوبة بان ضاعفها لو كان الشخص الذي يستغل نفوذه قاضيا أو موظفا عموميا أو ذا وكالة نيابية بعكس جريمة الرشوة التي تفترض صفة الموظف العمومي من ناحية و متاجرته بمهنته و عمله من ناحية أخرى.([10])

4. أركان جريمة استغلال النفوذ:

‌أ) الركن المفترض: من المفروض أن يكون الجاني في هذه الجريمة صاحب نفوذ حقيقي أي أن يكون لديه علاقات قوية تربطه بالسلطات العامة أو الجهات الإدارية بحيث يستطيع أن يؤثر على هذه السلطات العامة أو الجهات الإدارية لاتخاذ القرار لمصلحته في سبيل حصوله على مزايا أو وظائف أو صفقات فالنفوذ هو نوع من التقدير لشخصه أو لمركزه الوظيفي والاجتماعي أو للصلات الخاصة التي تربطه ببعض رجال السلطة كالقرابة والصداقة وقد لا يكون للجاني نفوذا حقيقيا على السابق مع أن له نفوذا مفترضا وذلك لقرابة أو مصاهرة أو مركز اجتماعي فإذا استغل هذا النفوذ المفترض ليحصل على فائدة ممن له مصلحة مقابل نفوذه المفترض لهذا قامت الجريمة، والنص صريح في ذلك لقوله ( ويستغل بذلك نفوذا حقيقيا أو مفترضا) ولا يشمل النص الزعم ممن ليس له نفوذا حقيقيا أو مفترضا فالزعم نوع من الادعاء ويصبح نصبا واحتيالا إذا ما رافقته بعض المظاهر والطرق الكاذبة لاستغلال صاحب المصلحة.‌ب) الركن المادي: يتمثل الركن المادي في قبول أو طلب صاحب النفوذ الحقيقي أو المفترض لهدية أو لوعد… الخ مقابل قيامه باستغلال نفوذه لدى السلطات المعنية للحصول على أية مزية يمكن أن تمنحها السلطات لمصلحة طالب الحاجة.
‌ج) الركن المعنوي: جريمة استغلال النفوذ من الجرائم العمدية التي يتطلب قيامها توفر القصد بأركان الجريمة كما يحددها القانون و تتم الجريمة بمجرد الطلب أو العرض فيما يمكن أن نسميه شروعا في جرائم أخرى كما تتم الجريمة بمجرد أن يقبل صاحب النفوذ العرض و لو لم يكن ينوي القيام باستغلال نفوذه فعلا و سواء أتم العمل أو المصلحة موضوع الجريمة أو لم تتم و سواء كان قادرا على إتمامه أصلا أم انه غير قادر و لا تقوم الجريمة إذا كان صاحب النفوذ يجهل فعلا أن الهدية أو الهبة … الخ كانت قد قدمت إليه بقصد استغلال نفوذه إذ يجب أن يعلم أن الهدية أو المنفعة تقدم له بهدف حمله على استغلال نفوذه كما يشترط أن لا يكون العمل أو المصلحة داخلة ضمن اختصاص صاحب النفوذ و إلا لأصبحت الجريمة رشوة و ليست جريمة استغلال النفوذ.
عقوبتها:حددت المادة 128 عقوبة هذه الجريمة بالحبس من سنة إلى 5 سنوات و بغرامة من 500 إلى 5000 دج أما إذا كان الجاني قاضيا أو موظفا أو ذا ولاية نيابية تضاعف العقوبات المقررة.
ونرى أن التشديد في مثل هذه الحالة الأخيرة تعبر عن شدة حرص المشرع على وجوب نزاهة هذه الوظائف. ([11])

5. التمييز بين جريمة الرشوة و جريمة استغلال النفوذ:

أوجه الشبه بين الجريمتين:
1- يقومان على نفس الأعمال المادية بقبول أو طلب المرتشي أو مستغل النفوذ العطايا أو الوعود أو الهبات أو أية منافع أخرى.
2- كما يلتقيان أيضا من حيث تأثيرهما السيئ على الثقة العامة بسير الإدارة.
أوجه الخلاف بينهما: يتمثل في:
1- إذا كان العمل المطلوب أداءه يدخل في اختصاص المرتشي فإنه ليس من اختصاص مستغل النفوذ ولا يدخل ضمن وظيفته.
2- إذا كان المرتشي ذا صفة خاصة إذ يشترط فيه أن يكون موظفا أو مستخدما أو أن لا يكون.([12]).
فالموظف المستغل لنفوذه يختلف عن الموظف المرتشي في كومه يتاجر بنفوذه لا بوظيفته ليحصل أو ليحاول الحصول لصاحب المصلحة على مزية من السلطة العامة مقروضا بيد أنه لا شأن لها بأي عمل أو امتناع داخل في حدود وظيفته.
ولا يمنع من توافر الجريمة ألا يكون في استطاعة الموظف حقيقة الحصول على هذه المزية لطالبها، فالنص يقرر العقاب سواء نفوذ الموظف حقيقيا أم مزعوما و كذلك الحال بالنسبة للفاعل غير الموظف، كما لا يحول دون قيام الجريمة أن يكون الفاعل وقت طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية موظفا كان أو غير موظف، غير قاصد استعمال نفوذه فعلا في الحصول على المزية المطلوبة ومن هاتين الناحيتين يتفق استغلال النفوذ مع الرشوة.غير أنه يجب لتحقيق الجريمة أن يستند الفاعل في طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية على نفوذ له حقيقي أو مزعوم فإذا أخذ عطية نظير سعيه في الحصول لصاحب الحاجة على المزية المطلوبة دون أن يتذرع في ذلك بأن له نفوذا لدى السلطة العامة يمكنه من تحقيق هذه المزية فإنه لا يرتكب الجريمة على أن الزعم بالنفوذ يتحقق بمطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية.([13])لذا حكم بتوافر الجريمة في حق مراجع حسابات لمديرية الإصلاح الزراعي طلب وأخذ نقودا لاستصدار قرار رفع الحراسة المفروضة على أموال أحد الأشخاص. ولا يلزم لتوافر الجريمة أن يتذرع الفاعل بنفوذ له لدى السلطة العامة نفسها، بل يكفي أن ينسب لنفسه نفوذا لدى جهة خاضعة لجهة إشراف السلطة العامة متى كانت المزية مطلوبا الحصول عليها من عده الجعة، غير أن المراد بالسلطة العامة هنا السلطة الوطنية لا السلطة الأجنبية وعدا ما قضى بمثله صراحة في فرنسا، فالاتجار بالنفوذ لدى سلطة أجنبية لا جريمة فيه لعدم وجود النص.
ومن قبيل الإدانة على هذه الجريمة أنه حكم بتوافرها في حق متهم طلب و أخذ عطية من المجني عليه مقابل العمل على حفظ تحقيق يجري معه بشعبة البحث الجنائي عن مصدر ممتلكاته بمناسبة تصفية الإقطاع، زاعما أن له صلة بالضابط المختص بالتصرف في التحقيق وكذلك بمدير الأمن ونائبه، وفي حق كاتب بهندسة هاتف ملوى طلب وأخذ نقود من المستخدم بالهندسة لاستعمال نفوذ مزعوم في الحصول على قرار بنقله دون علم المهندس المختص و بأمر من الجهات العليا ([14]) و إذا كان الفاعل موظفا تطبق عليه عقوبة الجناية المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات وهي الأشغال الشاقة المؤبدة و غرامة لا تقل عن 2000 جنيه و لا تزيد على ضعف ما أعطى أو وعد به.أما إذا كان الفاعل غير الموظف فتوقع عندئذ عقوبة الجنحة المنصوص عليها و هي الحبس و غرامة لا تقل عن 200 جنيه و لا تزيد على 500 جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين المنصوص عليهما في قانون العقوبات المصري.وأما إذا كان الغرض من استعمال النفوذ ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة لاستعمال النفوذ، لأن هذا الاستعمال و إن لم يكن رشوة اعتبره القانون في حكم الرشوة ومن ثم لم تسر عليه المادة 108 من قانون العقوبات. ونرى أن عرض عطية على صاحب نفوذ ورفضها من طرفه لا يعتبر جريمة لعدم وجود النص، كما نرى أن صاحب الحاجة أو الوسيط لا يعاقب لأن الجريمة من جرائم الفاعل المتعددة ولا يعاقب عليها إلا إذا نص القانون على عقابه وهو مستغل النفوذ دون سواه وعلى هذا التمييز بين الجريمتين قضت محكمة النقض بأنه إذا دانت المحكمة المتهم بجريمة استغلال النفوذ حالة كومه متهما بالرشوة فإن هذه الإدانة تنطوي على تعديل في التهمة مما يقتضي تنبيه المتهم إليه و منحه أجلا لتحضير دفاعه على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملا. ([15])


-----------------------------------------------------------------------------------
لتحميل البحث بصيغة Word يرجى الضغط على شعار المدونة
لتحيل, البحث ,بصيغة ,Word ,يرجى, الضغط ,على ,شعار, المدونة
لتحميل البحث بصيغة PDF يرجى الضغط على شعار المدونة
لتحيل ,البحث, بصيغة ,PDF ,يرجى ,الضغط, على ,شعار, المدونة
نشر على جوجل بلس

معلومان عن Unknown

موقع مكتبة جيقا – GigaLibrary: هو موقع يعنى بشؤون الطلبة الجامعيين وطلبة الدراسات العليا والباحثين في شتى المجالات العلمية والأدبية والعلوم الإنسانية والاجتماعية وغيرها، نساهم في إثراء مجال البحث العلمي في الجزائر والوطن العربي، كما ننشر آخر الأخبار والمستجدات في هذا المجال، نحاول نشر مواضيع جديدة، وتوفير المواد للباحثين (أطروحات، كتب، مقالات، بحوث جامعية، وغيرها).

0 التعليقات:

إرسال تعليق